في آليات فهم الخطاب الديني عند محمد عابد الجابري

اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية وزارة التعليم العايل والبحث العلمي جامعة حممد ملني دباغني سطيف - كلية اآلداب واللغات قسم اللغة واألدب العريب أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم التخصص: النقد األديب إعداد الطالبة: فتيحة ذيب عنوان األطروحة في آليات فهم الخطاب الديني عند محمد عابد الجابري مدخل إلى القرآن الكريم أنموذجا- املشرف أ.د. عبد الغين بارة جامعة : حمم د ملني دب اغني سطيف أعضاء جلنة املناقشة: أ.د.عبد القادر دامخي أستاذ جامعة باتنة رئيسا أ.د.عبد الغني بارة أستاذ جامعة سطيف مشرفا ومقررا د. عبد الرحيم عزاب أستاذ حماضر أ جامعة سطيف ممتحنا أ.د.عمر زرفاوي أستاذ جامعة تبسة ممتحنا د. خالد هدنة أستاذ حماضر أ جامعة سطيف ممتحنا السنة الجامعية: 70/70

كلمة شكر أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي املشرف الدكتور عبد الغني بارة الذي لم يبخل علي بتوجيهاته ونصائحه القيمة.

أما اليقين فال يقين وإنما... أقص ى اجتهادي أن أظن وأحدسا أبو العالء املعري اللزوميات ج ص 6.

مقد مة

أدرك عديد المفكرين العرب أن الحاجة اليوم أصبحت ملحة إلعادة النظر في المنظومة الفكرية على أسس اإلسالمية ل ما مغايرة قامت عليها عند القدماء ألن هذه األخيرة أضحت غير مؤهلة لإلجابة عن التساؤالت التي تطرحها األوضاع ال ارهنة. وهو ما دفع هؤالء المفكرين اعتناق إلى ما توصلت إليه منج ازت الحداثة الغربية على مستوى المنهجية العلمية بغية تحديث الفكر اإلسالمي وتحريره من االنغالقات الت ارثية القديمة والسياجات العقدية الدوغمائية التي أغرقته في التخلف االندماج في عن وأعاقته المشهد الفكري العالمي. - - عمل وقد محمد عابد الجابري واحد من و هو هؤالء المفكرين منذ مشروعه نقد العقل العربي األول على تحرير العقل العربي مما هو ميت أو مترسب في موروثه الثقافي وذلك من خالل سيرورته تتبع حيث التاريخية قام بتحليله عبر د ارسة - والبنى الثقافية المكونات واللغوية التي بدأت منذ عصر التدوين مستعينا في ذلك بالمقاربة االبستيمولوجية - للكشف عن تلك اآلليات البنيوية التي تحكمت وال ت ازل في إنتاج المعرفة و بالتالي الواقع الغاط في التخلف و الت ارجع فتوصل إلى أن االستم ارر في االشتغال باآلليات نفسها التي تنتمي إلى ماضي االنحطاط لن تسهم إال في تك ارر هذا الواقع الموجع. و بعد ف ارغه من كتابة األج ازء األربعة من نقد العقل العربي بقي الجابري يتحرك كما في نقد العقل العربي داخل رحاب الت ارث العربي اإلسالمي و لكن

مقدمة هذه المرة مع النص القرآني العنصر األساس في تشكيل العقل العربي إليمانه العميق بأن كل نص قابل للق ارءة و إعادة الق ارءة و ال يتعلق القرآني النص فهم أن بمجرد النظر في التفسي ارت السابقة بل يجب أن يتم الفصل بين تلك التفسي ارت وربطها بزمانها ومكانها وبحموالتها األيديولوجية كي يتم الوصل بين النص وعصرنا. ومن ثم ق ارءته على ضوء إشكاالت عصرنا و هموم إن ه و اعتمادا على هذا التقديم سيحاول البحث الوقوف على آليات فهم الخطاب الديني عند محمد عابد الجابري مدخل إلى القرآن الكريم أنموذجا للكشف عن األنظمة الداخلية لهذه اآلليات اإلج ارئية و كسر مفاهيمها الخارجية و معرفة خلفياتها المعرفية واأليديولوجية و بالتالي الكشف عن المرجعيات الفكرية التي وجهت خطاب الجابري وولدت تفكيره خرج تفكيره وهل بجديد ينضاف إلى حقل اإلسالميات هذا و لم ا كان غاية هذه الد ارسة الولوج إلى الن ص الجابري مساءلة حوا ار و. ألدواته اإلج ارئية فقد استعانت بالمنهج الوصفي للوقوف على بنية خطاب الجابري مع االعتماد على المقاربة الحوارية وذلك من خالل جعل نص الجابري يتحاور مع نصوص معاصريه ونصوص متقدمة عليه إيمانا منها بأن المعرفة ال تتأسس إال ا حوار و أن النص ال يعرف إال في عالقته بباقي النصوص. سبب ويرجع اختيارنا البحث في آليات فهم الخطاب الديني عند محمد عابد الجابري مدخل إلى القرآن الكريم إلى أنموذجا ممارسة العقل المتفردة التي تعودنا وخاصة في كتابات الجابري عليها في الفكري مشروعه نقد العقل العربي فأردنا معرفة مدى ممارسته العقل مع في تعامله الذي بدا النص القرآني لنا أنه سكت عنه في مشروعه األول وكذا الجديد الذي أضافه إلى الفكر العربي اإلسالمي. ج

مقدمة وال شك أن قيمة هذه الد ارسة ستكتسب شرعيتها وجدواها انطالقا من خطة بدأت إشكالية حول بمدخل فهم الخطاب الديني من خالل كتابات كل من محمد أركون : و نصر حامد أبوزيد بوصفهما أبرز من حاول ق ارءة النص القرآني من منظور معاصر مستفيدين في ذلك من العلوم و المناهج و المعارف الحديثة فحاولنا ق ارءتهما تقديم التي اعتمدا واآلليات عليها وموقفهما من الق ارءات القديمة وأهم النتائج التي خلصا إليها ونحن إذ نفعل ذلك نروم معرفة كيفية تعامل كل من نصر حامد وأركون مع النص القرآني وكيف تعامل معه الجابري بوصفه صاحب مشروع فكري ضخم و مهم فعرضنا مساره المعرفي من أجل التعرف على شبكة المفاهيم التي وظفها في مشروعه نقد العقل العربي ومدى ج أرته على استثمار هذه اآلليات اإلج ارئية في ق ارءته النص القرآني أما الفصل األول : والمعنون ب ومناقشة الخلفيات المعرفية التي استند النبي األمي إليها فقد والوحي الجابري في مناقشته لتتبع خصص مسألة الوحي مفهوم الوحي وناقش من وجهة نظر الجابري و قابله بمفاهيم مماثلة و مضادة يحدوه في ذلك الحفر في مفهوم الوحي الذي جاء به اإلسالم و هل كان للعرب علم به في معهودهم الخاص أو غيره في أن الوحي عندهم اإلسالم كما حاول الجابري إثبات ذلك. اختتم الفصل بمحاولة الوقوف على مفهوم األمية الواردة في القرآن وكيف ق أرها وتتبع اآللية الجابري التي من خاللها أ ارد المفك ر أن إثبات النبي صلى اهلل عليه وسلم كان يعرف الق ارءة والكتابة. أما الفصل الثاني و حمل عنوان فقد بالنقد تتب ع وق ارءته تشكله القرآن: : والتحليل وقوف الجابري على عتبات الذكر الحكيم عن للكشف اآلليات التي فهم بها مسار الكون والتكوين للقرآن الكريم منذ نزوله منجما إلى أن انتهى إلى المصحف د

مقدمة الذي بين أيدينا. وكيف وصل إلى القول: إ ن القرآن بدأ ذك ار ثم صار إضافة وحديثا إلى ذلك قرآنا ثم بعد انتشار الدعوة ونمو الجماعة اإلسالمية صار كتابا. اللغة التي نزل بها القرآن عن إلى البحث الفصل وانتقل فقد أثبت هذا الجابري أنها كانت لغة قوم محمد صلى اهلل عليه وسلم أي لغة قريش محاورة فحاولنا كما المفك ر في هذه المسألة مستندين في ذلك إلى إليه الذي استند النص القرآني حاولنا التنقيب عن م ارميه و ارء إثبات أن لغة القرآن هي لغة قوم محمد. وتوقف الفصل عند مسألة األحرف التي نزل بها القرآن الق ارءات مسألة و لمعرفة مدى رغبة. الجابري في اقتحام موضوعات خطرة و خصبة مثل هذه وأفرد الفصل الثالث للحديث عن تدوين القرآن وترتيب سوره وفهم الجابري للمنز ل على النبي صلى اهلل عليه وسلم الذي كان يتلقاه من جبريل ليلقيه هو اآلخر على جمهور السامعين باإلضافة إلى مناقشة إشكالية جمع القرآن ومسألة وتدوينه الزيادة والنقصان في القرآن المعايير التي في وبحث اعتمد عليها الجابري في تغييره. مواقع بعض السور التي أرى أنها وضعت في إطار غير إطارها إنها مكية قيل سور وهي مدنية وأخرى مدنية وهي مكية. ثم االنتقال إلى تتبع اآلليات التي استند إليها في إعادة ترتيب سور القرآن الكريم حسب ترتيب النزول واخضاعها للمساءلة و الحوار. وأما الخاتمة فكانت عبارة عن نتائج واستنتاجات أفضت إليها رحلة البحث في فصول مدخل إلى القرآن الكريم. وإلنجاز فصول هذا البحث استندنا إلى كل ما له صلة بالمسائل التي طرقها فتم االعتماد على بعض مثل تفسير التفاسير القديمة ابن جرير الطبري تفسير و القرطبي وغيرهما من التفاسير التي ساعدتنا على فهم مرجعيات الجابري. ه

مقدمة أما بالنسبة للكتب المعاصرة التي أفدنا منها بدرجة كبيرة فمنها: ثالثية هشام جعيط في السيرة النبوية و كتاب تاريخ القرآن للمستشرق تيودو نولدكه وكتاب مفهوم النص لنصر حامد أبوزيد كتب عبد المجيد الشرفي ومحمد أركون. ولئن كنت أخص أحدا بالشكر العميق والتقدير الكبير فإني أخص أستاذي الفاضل عبد الغني بارة الذي اعتنى بهذا البحث بإش ارفه الفاحص العزوم. فقد كانت مالحظاته وتوجيهاته القيمة النب ارس الذي أرشد البحث إلى أن وصل إلى ما وصل إليه كما أقدم شكري الجزيل إلى لجنة المناقشة التي تفضلت علي بق ارءة العمل وتقييمه. و اهلل ولي التوفيق و

مدخل: في تجديد فهم الخطاب الديني أوال: نصر حامد أبوزيد ومنهجية البحث في ماهية القرآن. ثانيا: محمد أركون: نحو ق ارءة جديدة لنص الديني. ثالثا: محمد عابد الجابري: مسا ارت معرفية.

استطاعت ثلة من المفكرين العرب أمثال محمد عابد الجابري محمد أركون وغيرهم ونصر حامد أبوزيد وعبد المجيد الشرفي وهشام جعيط ويوسف الصديق. من جديد إشكالية أن تثير فهم الخطاب الديني الكالسيكية برؤية جديدة غرضها تحرير الوعي اإلسالمي من قيود الفكر الديني القديم الذي جاء به علماء الدين وفقهاؤه ورجاله إذ من مفسرين لم يعد يتالءم ومتطلبات العصر. هؤالء فعمل الباحثين * على تجاوز ما قال به هذا الفكر من آ ارء بإعادة ق ارءة الخطاب الديني في ضوء المكتسبات العلمية الحديثة. المكتسبات هذه و تنوع ا ونظر لتعد د اختار كل واحد منهم طريقة خاصة ** ومختلفة في مقاربة الظاهرة القرآنية. فكيف ق أر هؤالء الخطاب و ما الديني اآلليات اإلج ارئية التي استدعوها في فهم هذا الخطاب وهل استطاعوا ال يفهم من هذا أنهم يدعون إلى القطع الكل ي) القطيعة( مع الت ارث ولكن في الوقت ذاته ال يتشبثون به تشبثا - * مرضيا بل وكما يقول جالل الر بعي نحاور نصنا -النص القرآني بعقلنا فال نرفض الطبري والزمخشري وال ارزي... وال نلتحف بجلبابهم وال نعتم بعمامتهم يوسف الصديق اآلخر واآلخرون في القرآن دار التنوير للطباعة والنشر تونس مصر لبنان ط 5 ص 8. فقد اعتمد مثال هشام جعيط في تعامله مع المتن القرآن على المنهج النفسي وعلى الد ارسة الفيلولوجية في - ** تأويله لبعض ألفاظ القرآن هذا وقد اعتمد في تأويله للنبوة والوحي على علم األديان المقارن خاصة وعلى المنهج التاريخي وقد أشار مصنفاته على إلى أ نه يتجه إلى استق ارء القرآن بمنهج ظاهري... كما اعتمد عبد المجيد الشرفي في كل المنهج المقارن في مقارنته بين فضاء تشك ل الرسالة المحمدية وفضاء تقب ل األجيال واستند يوسف الصديق إلى المقاربة التأويلية في تناوله إشكالية الغيرية في النص القرآني...

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني فعال أن يفكروا بعيدا عن المنظومة القديمة رؤية أخرى وأن يقدموا وبغير أدواتها تمنح الد ين معنى يتالءم والعصر الذي شي دت أركانه فلسفة الحداثة. ولم ا كان يتعذر اإلحاطة بجميع هذه المشاريع اخترنا الوقوف على نماذج بارزة لما أثارته من جدل إلى درجة اتهامها واإللحاد بالكفر وتحريف النص القرآني بل حتى صنفت ق ارءات أصحابها على أنها فتنة تسعى إلى خلخلة أركان المجتمع العربي وهذه اإلسالمي النماذج هي: نصر حامد أبوزيد ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري ) الذي خصصنا ( الجابري له لمساءلة فصول ثالثة ومحاورة مشروعه في فهم الخطاب الديني والذي عرضنا مساره المعرفي في هذا المدخل فيما إذا تبيين من أجل كان قد استطاع استثمار الفكر المنهجي الخطاب الديني ق ارءة في الحداثي كما مع فعل نقد العقل العربي نصر حامد أبوزيد ومنهجية البحث في ماهية القرآن: الخطاب الديني ق ارءة شكلت محور د ارسات المفكر المصري حامد نصر أبوزيد وقد أحدثت هذه الد ارسات ه ازت عنيفة في ساحة الفكر العربي المعاصر Herméneutique * بتطبيقه مستحدثات الدرس األدبي وخصوصا الهرمينوطيقا على الت ارث اإلسالمي واخضاع الت ارث اإلسالمي إلى األساليب والمناهج العلمية في الدرس والتحليل يم كننا من تكوين وعي علمي بالت ارث وبهذا الوعي نستطيع - نصر حامد أري حسب تشكيل- األداة الفعالة في مناهضة المشروع األصولي والشرط األساسي لنجاح مشروع النهضة والتجديد. تعد الهرمينوطيقا اآللية اإلج ارئية األكثر حضور في د ارسات نصر حامد وذلك ألهميتها ينظر الهرمينوطيقا - * ومعضلة تفسير النص في نصر حامد إشكاليات الق ارءة وآليات التأويل المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب بيروت / لبنان ط 6 5 ص -6. 9

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني ودرس الت ارث ب أري نصر حامد ينبغي أن يبدأ الن ص القرآني بوصفه الو من ال نص أ الت أسيسي أي من نصا محوريا في تاريخ الثقافة العربية وهو ما جعله يخص الخطاب القرآني بالنقد والتحليل ماهيته في للبحث وطبيعته بوصفه نصا لغويا نزل بلغة المخاطبين و حمل ثقافتهم. لنص القرآني نصر حامد وتنطلق د ارسة مجموع من الحقائق التي صاغتها الثقافة العربية اإلسالمية حول هذا النص من جهة ومن المفاهيم التي يطرحها النص * عن نفسه من جهة أخرى. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره حسب نصر حامد هو منتج ثقافي تشك ل في الواقع والثقافة خالل فترة تزيد عن واذا كانت عشرين عاما هذه الحقيقة متفق عليها فإ ن اإليمان بوجود ميتافيزيقي للنص يعود لكي يطمس هذه الحقيقة ويع كر من ثم إمكانية الفهم العلمي لظاهرة الن ص. إن اإليمان بالمصدر اإللهي للنص ومن ثم إمكانية أي وجود سابق لوجوده العيني في الواقع والثقافة أمر ال يتعارض مع تحليل النص من خالل فهم الثقافة التي ينتمي إليها. إذا القول بتاريخية النص القرآني وانتمائه إلى واقع معين وثقافة بشر معينين ب أري نصر حامد ال ينفي ألوهية مصدره كما أن كون الخطاب إلهيا من حيث المصدر ال يعني عدم / - نصر حامد أبوزيد مفهوم النص )د ارسة في علوم القرآن( المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب بيروت / لبنان ط 6 ص 5 ص 9. إن نقطة البداية في ق ارءة نصر حامد للنص القرآني هي تمييز وفصل الدين عن الفكر الديني فالدين كما - * يقول هو: مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا في حين أن الفكر الديني هو االجتهادات البشرية لفهم هذه النصوص واستخ ارج داللتها. ومن الطبيعي أن تختلف االجتهادات من عصر إلى عصر بل ومن الطبيعي أيضا أن تختلف من بيئة واقع اجتماعي تاريخي جغ ارفي عرقي محدد إلى بيئة في إطار بعينه وأن تتعدد االجتهادات بنفس القدر من مفكر إلى مفكر داخل البيئة المعينة نصر حامد نقد الخطاب الديني دار سينا لنشر ط 5 99 ص 9 - نصر حامد مفهوم النص ص 5 0

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني قابليته للتحليل بما هو خطاب إلهي تجس د في اللغة اإلنسانية بكل إشكاليات سياقها االجتماعي والثقافي والتاريخي. ولم ا كان النص القرآني عند نصر حامد هو تعبير عن واقع العرب وثقافتهم خالل عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم فمن الطبيعي عنده أن يكون المدخل العلمي لدرس النص القرآني مدخل الواقع والثقافة. الواقع الذي ينتظم حركة البشر المخاطبين بالنص وينتظم المستقبل األول للنص وهو الرسول والثقافة التي تتجسد في اللغة. و بهذا المعنى يكون البدء في د ارسة النص بالثقافة والواقع بمثابة بدء بالحقائق اإلمبريقية ومن تحليل هذه الحقائق يمكن أن نصل إلى فهم علمي لظاهرة النص أي االنطالق يكون من العيني والمحسوس حتى نصل إلى المجهول الخفي. وبعد إق ارره بأن النص القرآني منتج ثقافي كما بينا يضيف نصر حامد موضحا: ولكن القول بإن النص منتج ثقافي يمثل بالنسبة للقرآن مرحلة التكون واالكتمال وهي مرحلة صار النص بعدها منتجا للثقافة بمعنى أنه صار هو النص المهيمن المسيطر الذي تقاس عليه النصوص األخرى وتتحدد به مشروعيتها بعدما كان * عنها أصبح امتدادا للثقافة وتغيي ار لها ولكن هذا ال يعني مستمد ا من الثقافة ا وتعبير أن النص كان مجرد حامل - نصر حامد أبوزيد النص والسلطة والحقيقة )إ اردة المعرفة وااردة الهيمنة( المركز الثقافي العربي الدار البيضاء / المغرب بيروت / لبنان ط 5 ص 9 - نصر حامد أبو زيد مفهوم النص ص 5 - المصدر نفسه ص 5 - يقصد نصر حامد هنا أن التدرج في الخطاب الديني التشريعي وغير التشريعي يكشف عن طبيعة العالقة بين * / النص والثقافة المنتجة له من جانبين: الجانب األول جانب التشكل حيث تكون الثقافة اللغة فاعال والنص مفعوال أسباب النزول التي تشير إلى السياق االجتماعي للنص الديني أما الجانب الثاني فهو جانب التشكيل بالبنية اللغوية للنص فيصبح النص فعال والثقافة اللغوية مفعوال وهذا ما يؤكد ألوهية مصدر النص نصر حامد ينظر أبو زيد نقد الخطاب الديني ص 55

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني سلبي للثقافة التي عبر عنها بل كانت له فعاليته الخاصة بوصفه نصا في تجسيد الثقافة والواقع وهي فعالية ال تعكسهما عكسا آليا بل تجسدهما تجسيدا بنائيا أي تجسيدا يعيد بناء معطياتهما في نسق جديد. هذا وليس المقصود بأن النص منتج للثقافة تحويل الثقافة إلى صدى سلبي للنص مع النص وذلك بإعادة ق ارءاته وتأويله فلثقافة أيضا آلياتها الخاصة في التعامل وهذا ما جعله يعتقد بالعالقة الجدلية بين النص والواقع القائمة على التفاعل المتبادل ودفعه إلى الكشف عن بعض جوانب هذا التداخل العالئقي بين النص والواقع معتمدا على اللغوي المنهج الوحيد الممكن من حيث تالؤمه مع موضوع الدرس ومادته. المنهج إياه جاعال وكان هدفه من هذه الد ارسة ربط الد ارسات القرآنية بالد ارسات األدبية- هو تحديد مفهوم موضوعي - لإلسالم مفهوم يتجاوز الطروح األيديولوجية من القوى االجتماعية والسياسية المختلفة في الواقع العربي اإلسالمي. إن ه من المستغرب جدا أن يحصر أبوزيد د ارسته للقرآن بالمنهج اللغوي وحده دون سواه خاصة و أن القرآن نص واسع يفيض عن كونه نصا أدبيا ليشكل فضاء تأويليا وحدثا ثقافيا هائال ترك تأثيره في الثقافة العربية و في الثقافة االنسانية قاطبة )...(فال مجال للحصر في عصر تتداخل فيه العلوم و تنفتح الميادين المعرفية بعضها على بعض )...(و إذا كان القرآن نصا لغويا من حيث بيانه و بالغته أي من حيث إمكاناته اللغوية و الجمالية فهو نص له لغته بل لغاته و ال ينبغي - نصر حامد أبو زيد مفهوم النص ص 5 - المصدر نفسه ص ن - نفسه ص ص -5 9

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني ق ارءته ق ارءة وحيدة الجانب خشية اخت ازله بل يمكن ق ارءته باستخدام مختلف الوسائل. المنهجية وباالنفتاح على كل الكشوفات المعرفية المتاحة كما أن منهجه الواقعي الذي يتبعه في تناول للنص و الر أي ألحد الد ارسين لن يحق ق إال حجب أوال الواقع الذي يحرص على كشفه و هدر ثانيا كينونة النص و هي المقولة التي يدافع عنها في د ارسته...و لهذا ينبغي قلب اآلية إذا أردنا التعرف إلى هوية النص و استكشاف امكاناته فننطلق ال من الواقع إلى النص بل من النص إلى الواقع... فكينونة النص تعني أن يدرس كعالم له حقيقته المستقلة. كخطاب له وقائعيته بمعزل عن المؤلف و الواقع في آن هذا ووجد بين أهل الفكر من يرفض أن يوصف النص القرآني بأن ه منتج ثقافي فإذا كانت الثقافة تنتج النصوص البشرية فإن هذا ال يجعلها منتجة لن ص الوحي و إال فما قيمته كنص مختلف / مؤتلف جاء ليعيد تشكيل أنظمة هذه الثقافة و ربما هذا ما جعل نصر حامد يت ارجع قائال : لكن القول بأن النص منتج ثقافي يمث ل بالن سبة للقرآن مرحلة التكو ن و االكتمال و هي مرحلة صار النص بعدها منتجا للثقافة بمعنى أن ه صار هو النص المهيمن المسيطر الذي تقاس عليه النصوص و تتحد د به. 4 مشروعيتها - علي حرب نقد النص المركز الثقافي العربي / بيروت ط - علي حرب نقد النص ص 5 - عبد الغني بارة الهرمينوطيقا و الفلسفة نحو مشروع عقل تأويلي ( ص ص 59 58 (منشو ارت االختالف الج ازئر ط 58 ص 5 4 - نصر حامد أبو زيد مفهوم النص ص 5

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني أما قوله بأن اإليمان بالوجود الميتافيزيقي للنص يطمس إمكانية فهمه العلمي وقوله من جهة ثانية بأن اإليمان بمصدره اإللهي ال يتعارض مع إمكانية تحليله و فهمه جعل علي حرب المفكر يصف مشروعه بافتقاده آلليات كافية لتحليل الن ص القرآني إال أن أبو زيد ال يقطع الحبل بالمر ة بل يحاول االحتفاظ بنوع من الصلة الواهية مع المنطق الديني إذ هو يؤك د م ار ار في كتابه بأن القول بأن النص القرآني مرتبط بالواقع و بأن ه ينتمي إلى ثقافة البشر ال يتعارض مع اإليمان بألوهية مصدره و لكن تلك مداورة ال تغي ر من حقيقة موقفه الن قدي و ال تقيه مم ن يحاذر منهم. إن ها.. تقي ة مفضوحة فأبو زيد صريح فيما يقوله و يطرحه إن ه يتعامل مع القرآن ليس بوصفه ظاهرة غيبية مفارقة أو خارقة بل بصفته ظاهرة مشروطة محايثة أي. بوصفه ممارسة خطابية هي في منتهى فعالية بشرية تاريخية دنيوية إذن دهرية و تأسيسا على المنهج الذي اعتمده في ق ارءة النص القرآني انتقل إلى المفكر ق ارءة نصوص من الفكر الديني القديم وقد بالنقد والتحليل تناول بعض نصوص اإلمام الشافعي للكشف حسب ما يصرح به عن داللتها ثم االنتقال إلى مغ ازها االجتماعي السياسي / األيديولوجي إن فكررررررررر الشررررررررافعي برررررررر أري نصررررررررر حامررررررررد ال يمكررررررررن فهمرررررررره خررررررررارج الصرررررررر ارع الفكررررري الررررذي كرررران بررررين أهررررل الرررر أري وأهررررل الحررررديث وبررررين المعتزلررررة والمشررررب هة والمرجئرررررة العررررررب وبرررررين والفررررررس وموقرررررع الشرررررافعي يقرررررول المفكرررررر داخرررررل هرررررذا - علي حرب االستالب و االرتداد اإلسالم بين روجيه غارودي و نصر حامد أبو زيد المركز الثقافي العربي بيروت / الدار البيضاء ط 99 ص 96 - نصر حامد أبو زيد اإلمام الشافعي المغرب بيروت لبنان ط 5 ص 86 )وتأسيس األيديولوجي ة الوسطي ة( المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 4

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني الصررررر ارع وبأدلرررررة منتزعرررررة مرررررن منطوقررررره ومفهومررررره كررررران أقررررررب إلرررررى أهرررررل الحرررررديث * -إذ جعررررل الكترررراب والسررررنة بنرررراء عضررررويا دالليررررا واحرررردا نررررراف ار مرررررن التفكيرررررر المنطقررررري االعت ازلررررري ملتزمرررررا بعروبتررررره يمكررررن بنرررراء االجمرررراع عليرررره- برررررل بالقرشرررررية و ذلرررررك فررررري تغليبه للغتها على بقية اللغات و اللهجات العربية. وقد انتقد نصر حامد دفاع الشافعي عن اللغة العربية وقوله خلو القرآن من ألفاظ غير عربية معتب ار أن هذا الدفاع لم يكن دفاعا عن اللسان العربي كله فحسب بل كان باإلضافة إلى ذلك دفاعا عن نقاء لغة قريش وتأكيدا لسيادتها وهيمنتها على * لغات اللسان العربي. والحقيقة يقول نصر حامد إن هذا الموقف ال يخلو من - عقب وفاة الرسول اكتشف المجتمع االسالمي الناشئ أن منبع هويته األول هو القرآن إال أن المسلمين ما لبثوا * أن أدركوا عدم كفاية ذلك فلجأوا للسن ة كمنبع ثان للهوية اإلسالمية. والمالحظ أنهم عندما لجأوا للرسول لم يقتصروا على ما قاله وانما أدخلوا في اعتبارهم ما فعله وما أقر ه وبذا نشأ مفهوم السنة وهو مفهوم أوسع من مفهوم الحديث. ولقد لعب الشافعي دو ار أساسيا في توطيد أركان السنة وتثبيت مكانتها ومد د مفهوم طاعة الرسول ليضعه في مصاف طاعة اهلل وهو أمر قر ره الشافعي وأكد عليه في وجه مدرسة فقهية أخرى كان م ازجها الفكري يميل إلى التركيز على القرآن وابعاد السنة ولقد انتصر الت يار الشافعي في نهاية األمر ووصل إلى صيغة مؤد اها: ترك الكتاب موضعا لسنة وترك السنة موضعا للقرآن ولقد روي عن الرسول الحديث التالي: أال إني أوتيت القرآن ومثله معه... محمد أحمد محمود حول بعض إشكاليات النص القرآني مجلة مواقف لينان يونيو 989 ع 6 / 9 ص ص 98 9 8 - ينظر نصر حامد أبو زيد اإلمام الشافعي ( و تأسيس األيديولوجية الوسطي ة ( ص ص طبقا لحديث متواتر مشهور فقد نزل القرآن على سبعة أحرف طال النقاش والجدل حولها وحول طبيعتها. - * وقد انتهى الطبري بعد مناقشة مستفيضة لآل ارء والمرويات الكثيرة في الموضوع إلى أن الحروف السبعة ليست إال لغات )لهجات( سبع من اللسان العربي حددها بأن خمسة منها منلسان العجز من هوازن واللغتان األخريان لغتا قريش وخ ازعة... واذا كان القرآن الموجود بين أيدينا اليوم يخلو من سمات ومظاهر التعدد اللغوي المشار إليه 5

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني )...( انحياز أيديولوجي للقرشية بل موقفه أي موقف الشافعي يعبر عن انحيازه للقرشية بط ارئق متعددة فهو أوال يحتفي احتفاء خاصا بالمرويات التي تؤكد فضل قريش على الناس كافة وهو ثانيا ال يكتفي باالتفاق مع جمهور علماء أهل السن ة بحصر الخالفة في قريش دون غيرها من القبائل العربية بل يذهب فيما يروى عنه تالمذته إلى أن اإلمامة قد تجيء من غير بيعة إن كان ثمة ضرورة وأن كل قرشي عال الخالفة بالسيف واجتمع عليه الناس فهو خليفة. وتأكيد الشافعي على نقاء لغة القرآن من كل دخيل أجنبي أدى إلى إص ارره على أن ق ارءة القرآن بالعربية شرط ضروري لصحة الصالة وهو بهذا يخالف أري أبو حنيفة الذي أجاز ق ارءة الفاتحة باللغة الفارسية أو بأي لغة أخرى في الصالة لمن ال يقدر على ق ارءتها بالعربية وهذا الخالف الفقهي حول الق ارءة في الصالة بغير العربية حسب نصر حامد ما هو خالف حول إال هوية النص القرآني هل هي المعنى وحده أم المعنى ملتبسا باأللفاظ )...( والشافعي يقول بالثانية واعتبار العربية بكل ما يلتبس بها من أيديولوجيا جزءا جوهريا في بنية النص لكنها ليست العربية المتعددة اللهجات بل العربية التي اختصرت في القرشية. وعليه يرفض المفكر المصري التعالي بالفكر عن شرطه الزماني والمكاني و البشري و تحويله إلى تعاليم و ح رم ال تقبل المساس بها أو إعادة فحصها يقول في هذا السياق : إن لألفكار تاريخا و حين يطمس هذا التاريخ تتحول تلك األفكار في الحديث ألن النص ثبتت ق ارءته بلسان قريش نصر حامد اإلمام الشافعي ص 9. وهي مسألة )...( سيتناولها البحث بالنقد و التحليل في الفصل الثاني - نصر حامد اإلمام الشافعي ص ص 96 9 - المصدر نفسه ص 99 - نفسه ص 6

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني عقائد إلى فيدخل في مجال الدين ما ليس منه و يصبح االجتهاد البشري ذو الطابع اإليديولوجي نصوصا مقدسة هكذا يتحول النسبي إلى مطلق و البشري إلى مقدس و كثيرة في تاريخ ثقافتنا العربية اإلسالمية هي األفكار التي أنتجتها عقول بشرية و لكنها تحو لت بفضل التك ارر و الترديد الذي من شأنه أن يخفي غيرها من األفكار و لو بالتشويه إلى عقائد ال يمكن المساس بها فمن ذا الذي يستطيع اليوم االقت ارب من نصوص الشافعي أو غيرها من دون أن يتهم في عقيدته فقد تحو لت كما يقول عبد االله بلقزيز م ت ون هؤالء و كتبهم إلى نصوص مقدسة ي أثم من يجادل فيها ولو باسم الدين أبا زيد غير أن و الر أي ألحد الد ارسين ما استطاع أن ينجز د ارسة إيبيستيمولوجية بالمعنى الدقيق للكلمة لفكر الشافعي و نظامه المعرفي على الرغم 4. من أنه أ اردها د ارسة في آليات تفكيره من حيث هي عملية أو عمليات ذهنية كما أن هناك من الباحثين المعاصرين من يرى أن لقضية الوسطية في الت ارث العربي القديم دالالت خاصة و متنوعة نتيجة لسيادة الفكر الديني عامة على مختلف - نصر حامد أبو زيد اإلمام الشافعي ص 5 58 نصر حامد أبو زيد الخطاب و التأويل المركز الثقافي العربي الدار البيضاء /المغرب ط - ص 9 ص 5 ) ( - عبد اإلله بلقزيز نقد الت ارث العرب و الحداثة مركز د ارسات الوحدة العربية ط 55 4 - المصدر نفسه ص 55 7

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني التوجهات الفكرية العقالنية و النقلية و الالعقالنية على السواء مما يفرض معايير مختلفة للحكم و التقييم أما د ارسته في قضية المجاز في تأويل القرآن عند المعتزلة القرآن عند ابن عربي فقد جاءت من خاللها التي كشف امتدادا لد ارسته في المجاز كيف أن تحو ل في يد المتكلمين إلى سالح لرفع التناقض المتوهم بين آيات القرآن من جهة ص ص 5 محمود أمين العالم مواقف نقدية من الت ارث دار الفا اربي بيروت / لبنان ط 5-96 - هي د ارسة بين مقارنة خطاب المعتزلة الالهوتي و خطاب منتقديهم أدرك المفكر من خاللها ما يقع في قلب معركة التفسير و كيف نجد المعنى في النررررص تتعررررررارض فيه )اآليات المحكمرررررات( -وهي العمود الفقري للقرآن-مع اآليات المتشابهات ال جدال يقول نصر حامد داخل بناء اإلسالم أن اآليات المتشابهات تفسر في ضوء اآليات المحكمات. إذا ما هي المشكلة إن اآليات التي اعتبرها المعتزلة آيات محكمات اعتبرها معارضوهم آيات متشابهات والعكس صحيح. تشبث كل طرف بوجهة نظره مؤمنا بأن هذا الخالف يضع معنى وبناء القرآن على فكانت المحك. النتيجة التي خرج بها نصر حامد من هذه الد ارسة المقارنة هي محاولة كل طرف أن يفرض فكره وايديولوجيته الخاصة على معنى النص بمعنى أن كل طرف حاول أن يجعل القرآن متفقا مع معتقداته وهنا يقول المفكر: تعجبت كيف يمكن لمعنى النص أن يؤول بهذه السهولة. و لكن هذه النتيجة لم تمنع نصر حامد من أن تكون بحوثه العلمية اعتمادا على ما توصلت إليه مدرسة الفكر العقالني التي بدأها المعتزلة بوصفها أبرز من أثار إشكالية تأويل القرآن. واعتمادا على الفكر االعت ازلي حاول المفكر المصري تقديم مفهوم للتاريخية وذلك من خالل التفرقة التي وضعها المعتزلة بين القدرة اإللهية والفعل اإللهي. إذ يقول في هذا السياق: إذا كان الفعل اإللهي األول فعل إيجاد العالم هو فعل افتتاح الزمان فإن كل األفعال التي تلت هذا الفعل األول االفتتاحي تظل أفعاال تاريخية بحكم أنها تحققت في الزمن والتاريخ وكل ما هو ناتج عن هذه األفعال اإللهية محدث بمعنى أنه حدث في لحظة من لحظات التاريخ ومن هنا قيل إن القرآن محدث مخلوق أي هو كالم مخلوق مرتبط بالزمن وهذا يعني أن النص الذي نملكه اليوم هو ظاهرة مخلوقة. ينظر نصر حامد النص و السلطة و الحقيقة ص.7 8

ص مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني وبين القرآن وأدل ة العقل من جهة أخرى. وهي النتيجة التي حفزت الباحث على محاولة استكشاف منطقة أخرى من مناطق الفكر الديني للبحث في تلك العالقة بين الفكر والنص الديني واستكناه طبيعتها ومناقشة المعضالت التي تثيرها وكانت هذه المنطقة هي عربي ابن الصوفي األندلسي المعروف بكتابه الفتوحات المكية. ومن خالل بحثه في تأويل النص عند ابن عربي خلص نصر حامد إلى إن القول: ابن عربي أ ارد أن يضفي على تفسيره للقرآن جانبا حداثيا. لقد آمن بأن الفكر اإلسالمي يجب أن يكون مرنا بما يكفي ليحتوي مجتمعه تحت مظلة اإلسالم. كان وصف دين الحب ابن عربي لرؤيته اليوتوبية في أشعاره. حاول أن يجمع مختلف عناصر الفكر في المسيحية اليهودية اإلسالم وكل الديانات األخرى في مجتمعه ليدمجها في نظام إسالمي موحد ولكن يقول نصر حامد: ثبت صعوبة تطبيق مشروع ابن عربي ففي محاولته لخلق هذا المجتمع اليوتوبي لم يتصد للمشكالت االجتماعية بشكل واقعي حتى في تطويره لفكره كانت التوت ارت تتنامى في المجتمع ولم تكن لتختفي من خالل تطبيق مبادئه. ويعترف نصر حامد أنه ل ما أقبل على هذه الد ارسة كان مقتنعا بأن ابن عربي قد قدم تفسي ار للقرآن دون التأثر بأي إيديولوجية. ألنه كان يتصور أن الصوفيين ال يشغلون أنفسهم بالعالم الخارجي مهتم ون إن هم بالتركيز على تجربتهم الصوفية فقط - نصر حامد أبو زيد فلسفة التأويل )د ارسة في تأويل القرآن عند محيي الدين ابن عربي( دار التنوير لطباعة والنشر بيروت / لبنان ط 98 ص - نصر حامد أبو زيد صوت من المنفى )تأمالت في اإلسالم( ترجمة نهى هندي خان للنشر و التوزيع 9 القاهرة ط 5 9

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني بمرور الوقت و إال أنه كما يقول تغيرت رؤيته. * فكما حدث مع د ارسته للمعتزلة بدأ يلحظ من جديد من خالل د ارسته للصوفية كيف أن تفسير النص دوما يتأثر بالعوامل االجتماعية والسياسية والثقافية وهو حسب أريه ما ينطبق على النص القرآني أيضا. وخالصة ما توصلت إليه د ارسات نصر حامد: أن كل ق ارءة للقرآن لم تكن أبدا منقطعة عن التأثير االجتماعي والسياسي وهذا يعني أن ه من غير الممكن التحدث عن القرآن كنص مجرد يسمو فوق الزمان والمكان فالناس يفهمون النص من منظور يختلف اعتمادا على التجربة الفردية والثقافية معا خالل. إن فكره الحداثي الطليعي هذا المخالف لآلر اء المتداولة وال ارسخة في العقل إذ الجماعي عرضه لموجة انتقاد وعداء شديدين ات هم بالكفر واإللحاد ثم انتهى إلى حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته رغم أن يؤمن الباحث لم يقل كف ار بل هو يعترف بأن القرآن نص إلهي أوحي به من اهلل للنبي محمد من خالل جبريل. بأنه هذا الوحي تشكل عن طريق لغة وهي العربية بجذورها الموجودة في السياق التاريخي وتحري مكانة القرآن في التاريخ ال يعني أن أصوله بشرية. -محمد أركون: نحو ق ارءة جديدة للنص الديني: يقول نصر حامد : حتى المعتزلة الذين يستشهد بهم عادة في مجال العقالنية الدينية لم ا واتتهم الفرصة في - * عصر المأمون ارتبط فكرهم بالبالط وتحولوا إلى متواطئين تبريريين في محنة خلق القرآن وأصبحوا أداة في جهاز السلطة لقمع المخالفين في ال أري باسم العقل... الخطاب والتأويل ص 5 - نصر حامد صوت من المنفى ص ص -96 9 - المصدر نفسه ص 9 0

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني يلحظ قارئ محمد أركون ظاهرة التعدد و التنوع الهائل لألدوات الفكرية التي استدعاها في ق ارءة الخطاب القرآني استند إذ نجده إلى اإلنجا ازت التي حققتها علوم اللسانيات والسيمائيات واألنثروبولوجيا والفلسفة والتاريخ بغية تقديم ق ارءة علمية نقدية للقرآن. الكريم و ليس هذا فحسب بل إن المفكر يضع شرطان أساسيان على كل قارئ للخطاب القرآني أن يلتزم بهما الشرط األول بتكوين علمي القارئ يتزود أن ومعرفة شاملة وعميقة ما يصاحبها من أطر التفكير باألرضية المفهومية الخاصة باللسانيات والنقد اإلبستمولوجي مم ا والسيمائيات الحديثة مع يعني أن المقاربة السيمائية/ األلسنية تحتل الصدارة في المنهجية التي يقترحها أركون إلعادة ق ارءة النص القرآني. وأما شرطه الثاني فهو: أن يتدرب القارئ على التمييز بين االحتجاج واإلد ارك والتأويل والتفسير الذي يتم في * والتفكيك للخطاب الديني فهما اإلطار المعرفي العقدي شيئان مختلفان وال ب د الدغمائى وبين التحليل من الفصل المنهجي بينهما أي بين خطاب المفسرين بوصفه نصا ثانيا تك ون فيما بعد وبين النص المقدس لحظة / -محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب( ترجمة هاشم صالح دار الطليعة بيروت ط 55 ص. -إن القرآن في نظر أركون هو النص التأسيسي األول في اإلسالم. وهذا النص التأسيسي كان يتمتع بطاقة * إبداعية ضخمة كبقية النصوص التأسيسية الكبرى وبالتالي فقد ول د العديد من النصوص الثانية التي كانت بمثابة التعليق عليه أو التفسير له أو االنطالق منه لبناء نص جديد. ومن الناحية المنهجية حسب أركون يجب د ارسة النص األول لوحده أوال. وبعدئذ ننتقل إلى د ارسة النصوص الثانية التي ول دها بشكل مباشر أو غير مباشر. فال ينبغي أن نخلط يقول أركون بينه وبينها ألنه كان يتمتع بطاقة إبداعية وانفتاح فكري أو رمزي أوسع منها بكثير. فتفسير الطبري مثال للقرآن ليس هو القرآن وانما هو نص آخر. وقل األمر ذاته عن بقية النصوص التفسيرية األخرى على الرغم من أهميتها القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني( ص - محمد أركون القرآن ( من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب ) ص

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني انبثاقه زمن النبي صلى اهلل عليه وسلم وبالتالي على القارئ أن يميز بين نمطين من النصوص النصوص الثانوية التي تمت بعد وفاة النبي والنصوص المقدسة أي النصوص في جذرها األولي و العوامل المتحكمة فيها. غاية أركون وليست من تحليل الخطاب الديني وتفكيكه تقديم معانيه الصحيحة وابطال التفاسير القديمة وان كانت هذه التفاسير تتميز حسب أريه بإطارها العقائدي الدغمائيDogmatique غايته بل إب ارز الصفات اللسانية اللغوية وآالت العرض واالستقالل والتبليغ واإلقناع والمقاصد المعنوية الخاص ة بما أسماه الخطاب النبوي Le discours prophétique أي القرآن. هذا ويؤكد في ال سياق نفسه على أن تطبيق المنهج التفكيكي على ما أص له العقل في الماضي أو ما يواصل تأصيله تقليدا فقط للموروث غير المفك ك لن يؤدي إلى نفي الموروث مبدئيا أو هدمه ودوره التاريخي أو جهله واإلع ارض عنه ولكن هذا لم يمنع أركون من اإلق ارر أن ه أو الخفض من قيمته شت ان ما بين المشروع االستق ارئي االكتشافي الحفري التقديري االنصافي المستنطق للمسكوت عنه والمزيل ألنواع التلبيس والحجاب الذي يعمل من أجله العقل المنبثق وبين الخطابات اإليديولوجية األصولوية والعلمانوية والشعبوية والقوموية و الخصوصوية واإليمانوية والتاريخوية وغيرها من البنيات الطاغية على جميع المجتمعات المعاصرة حتى أصبح المتقدمون والمتأخرون والغالبون و المغلوبون واألغنياء والمحرومون يعانون من الفوضى / -محمد أركون الفكر اإلسالمي )ق ارءة علمية( ترجمة هاشم صالح مركز االنتماء القومي بيروت المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء ط 5 996 ص -محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني( ص -محمد أركون الفكر األصولي واستحالة التأصيل الساقي / بيروت ط 5 ص 6 )نحو تاريخ آخر للفكر اإلسالمي( ترجمة هاشم صالح دار

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني الداللية أو المعنوية المنتشرة وهو السبب الذي دفع أركون إلى المطالبة بتفكيك كل أو المسلمات الق ارءات المهيمنة. إن مطمررررح المشررررروع األركرررروني لرررريس الرررردفاع عررررن الرررر دين كمررررا هررررو الحررررال عنررررد األصررررروليين وال مجادلرررررة الررررر دين و اازحتررررره مرررررن مجرررررال الفعاليرررررات البشررررررية كمرررررا يفعرررررل المستشررررررقون برررررل مطمرررررح أركرررررون هرررررو إنجررررراز خطررررراب علمررررري عرررررن اإلسرررررالم وذلرررررك Le pensable و الالمفك ررررر خررررالل مررررن العررررودة إلررررى ثالثررررة مفرررراهيم هرررري المفك ررررر فيرررره Limpensable فيررررره * L impensé ومسرررررتحيل التفكيرررررر فيررررره فررررري علررررروم القررررررآن ** لكرررري ترررردمج الظرررراهرة القرآنيررررة فرررري الحركررررة الكبرررررى للبحررررث العلمرررري والتأمررررل الفلسررررفي ومررررررن هنررررررا سررررررعى *** إلررررررى فرررررررض قرررررر ارءة تاريخيررررررة للررررررنص القرآنرررررري تقررررررف عنررررررد قرررررر ارءة. الالمفك ر فيه وترفض كل ما هو اسقاطي ايديولوجي على النص -المصدر نفسه ص ن الالمفكر فيه: - معناه الحرث في حقل معرفي لم يحرث فيه من قبل أو البحث في المنطقة الخارجة عن نطاق * البحث والتفكير. وتتشكل هذه المنطقة من المهم ش والمستبعد وكل مسكوت عنه بوعي أو بغير وبغير وعي ينظر علي حرب النص والحقيقة ( نقد النص ( المركز الثقافي العربي / بيروت ط 5 ص 6 -مستحيل التفكير فيه: ويقصد به والقول ألركون ما يلي إن المكانة األرثوذكسية الالهوتية للوحي كما كان قد ** نطق به من ق ب ل النبي وج مع فو ار أو ال حقا في المصحف تحت االش ارف الرسمي للخليفة عثمان بن عفان ال يمكن أن يكون موضوعا للد ارسة أو مادة للتحر ي النقدي. فهذه المكانة محمي ة من قبل االجماع الكوني لكل المسلمين منذ أن كانت الطائفة الشيعية اإلمامية والطائفة السنية قد توصلتا إلى اتفاق بعد مناقشات طويلة وص ارعات عنيفة حول صح ة المصحف. محمد أركون القرآن من التفسير المروث إلى تحليل الخطاب الديني 5 Mohamed Arkoun ; Lectures du coran, Tunis, ed, Alif, 99, p. 0- مفهوم التاريخيةHistoricité حسب أركون -غير وارد على اإلطالق بالنسبة للوعي اإلسالمي التقليدي - *** فالنصوص الدينية تتعالى على التاريخ في نظره. ولكن البحث التاريخي الحديث يثبت أن القرآن مرتبط بظروف عصره وبيئته: أي بشبه الجزيرة العربية وبخاصة منطقة الحجاز- في القرن السابع الميالدي. فألفاظه ومرجعياته

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني أكررررد كمررررا أنرررره علررررى ضرررررورة العررررودة إلررررى عصررررر القرررررآن والبيئررررة الترررري نشررررأ فيهررررا لكرررري يقرررر أر بمفرداترررره وتر اكيبرررره وبمعانيرررره السررررائدة آنررررذاك ولرررريس بررررالمعنى السررررائد اليرررروم وقررررد سررررمى أركررررون هررررذه القرررر ارءة بررررر القرررر ارءة الت ازمنيررررة ويقصررررد بهررررا حسررررب مترجمرررره هاشرررررررم صرررررررالح عكرررررررس القررررررر ارءة اإلسرررررررقاطية التررررررري تقرررررررع فررررررري المغالطرررررررة التاريخيرررررررة وتسررررررقط علررررررى الررررررنص معرررررراني زمررررررن آخررررررر اللغة تتطور وتتغير من عصر إلى آخر وعصررررررر آخررررررر ذلررررررك أن معنرررررري مفررررررردات إذا يروم أركون بعث معاني غائبة عن وجودنا اليومي حتى يتسنى ق ارءة الخطاب القرآني بعيدا عن أية عملية اسقاطية أديولوجية على النص ولتحقيق ذلك استند إلى النصوص العربية المعاصرة لنص القرآني سواء انتمت إلى النصوص العالمية أو الشعبية فعلى سبيل التمثيل كلمة يرى أركون أنها مؤمن كانت تعني في البداية أعطيك األمان وتعطيني األمان وبالتالي فأنا آمن بالنسبة لك وأنت آمن الجغ ارفية والتاريخية تد ل على ذلك. يضاف إلى ذلك أن حياة النبي وتبشيره بالدعوة ومعارضة أهل مك ة له وما حصل من أحداث وحروب كل ذلك يقول أركون نجد أصداءه واضحة في القرآن وهذا ال ينفي بالطبع أنه كتاب موحى من قبل اهلل أو مستلهم منه ولكن الوحي يتخذ في كل مرة صيغة اللغة والقوم الذين وج ه إليهم هذا الوحي محمد أركون القرآن ( من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ( هامش ص هذا ويعترف أركون في مناسبات عد ة أن ق ارءته التاريخية لنص القرآني سوف تظل ناقصة مادام لم يتوصل بعد إلى نسخة محققة تماما عن القرآن على الرغم والقول ألكون من كل الجهود التي بذلها االستش ارق منذ نولدكه وحتى اليوم إال أن تحقيق القرآن الي ازل يعاني من ثغ ارت مهمة. ويبدو أن هذه الحالة ال مرجوع عنها ألن كل النسخ التي كانت معاصرة للقرآن دمرت إال نسخة واحدة هي النسخة األرثوذكسية التي فرضتها السلطة الرسمية. فلو بقيت نسخ أخرى معاصرة لهذه النسخة كمصحف ابن مسعود وغيره الستطعنا التوصل إلى صورة أكثر تاريخية أو أكثر حقيقة كيفية تركيبه للنصوص محمد أركون الفكر األصولي واستحالة التأصيل )نحو تاريخ آخر للفكر اإلسالمي( ترجمة هاشم صالح -محمد أركون الفكر اإلسالمي )ق ارءة علمية( ص 5 4

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني بالنسبة لي. ولم يخلع عليها المعنى الديني الالهوتي إال الحقا. أي الخطاب التفسيري هو من أضفى على كلمة مؤمن المعنى المتداول المعروف. و يشير أحد الباحثين في هذا السياق إلى أن الق ارءة الت ازمنية و بالتحديد ت ازمن كلمة تثير الكثير من االلتباس إذ ال يمكن للقارئ أن يتموضع بصورة كاملة في زمن النص فلكل قارئ است ارتيجيته في الق ارءة خاصة إذا كان النص كما هي ميزة القرآن ال يتوقف عند توليد المعنى باستم ارر فالق ارءة الت ازمنية بالمعنى المذكور تفترض إصابة المعنى الحرفي للنص و التسليم بذلك يتعارض مع نظرة أركون نفسه مع النص أي مع القول بتعدديته و اختالفه و بالفعل فإذا كان المعنى يتبعثر و يتشظ ى بسبب اختالف القر اء أي الق ارءات فإن الق ارءة الت ازمنية تصبح و الحالة هذه غير ممكنة كما أن محاولة المشروع األركوني العودة إلى اإلسالم في صفائه األو ل هو الوهم األكبر فهو في هذه الحالة يكون قد مارس الس لفية التي لطالما ناهضها فحركة الت اريخ ال عودة عنها و هي ال تسمح بأي ة عودة إلى الص فاء األو ل و حت ى عصر الص فاء األو ل ال يشك ل بدء مطلقا و ال يتعالى على الت اريخ.و المطلوب من المجتمعات اإلسالمية أن تتقد م إلى األمام أي تنتقل بنفسها و باإلسالم نفسه إلى. الت خوم الحضارية للقرن الحادي و العشرين / -محمد أركون الهوامل والشوامل )حول اإلسالم المعاصر( ترجمة هاشم صالح دار الطليعة بيروت ط 5 ص 58 ينظر علي حرب نقد النص ص 8 - - جورج ط اربيشي ط 5 59 ص 9 من النهضة إلى الر دة تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة دار الساقي بيروت 5

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني * هذا وقد اعتمد أركون المنهج النقدي التاريخي ** ليحلل تاريخية العقل القرآني انطالقا من واقعة تحوله من خطاب شفوي إلى خطاب كتابي حفظ في مصحف مكو نا المدو نة الرسمية المغلقة إذ أدى هذا التحول حسب أركون إلى فوضى أحدثت شرخا بين الوحي في المرحلة الشفوية والوحي في المرحلة الكتابية. المكانة ألن الشفهية لها بروتوكولها الخاص في التواصل أو التوصيل ويقصد بها األداء الشفهي من خالل قناة خاصة وفي ظروف مادية معينة ومن خالل عالمات سيميائية خاصة وأدوات وآليات مستخدمة لتوليد المعنى الذي يؤدي إلى ردود فعل مباشرة فإما القبول عليه: واما الرفض واما أنه يثير حماسة الجمهور المستمع واما أنه يثير غضبه على الفور. والتبليغ الشفهي األول كما نطق به محمد بن عبد اهلل يقول أركون مهما فعل *** ضاع إلى األبد وال يمكن للمؤر خ ومهما أجرى من بحوث. الحديث أن يصل إليه أو يتعر ف عليه - سعى محمد أركون وغيره من الباحثين في نفس الحقل تناول النص القرآني تناوال نقديا تاريخيا وقد عرف هذا * النوع من النقد التاريخي للنصوص المقدسة ألو ل مع الفيلسوف اليهودي الهولندي سبينو از في القرن السابع عشر وذلك في رسالته الشهيرة رسالة في الالهوت والسياسة. -العقل القرآني ال يقصد به العقل اإللهي بل القو ة المتطو رة المتغي رة بتغي ر البيئات الثقافية واإليديولوجية القو ة ** الخاضعة لتاريخية ينظر محمد أركون نحو تقييم واستلهام جديدين للفكر اإلسالمي مجلة الفكر العربي المعاصر مركز اإلنماء القومي بيروت ع 59 ص - ولكن هناك من يرى أن الخطاب القرآني ت ازمن النظام الكتابي فيه مع مع الشفاهي غالبا وعلى هذا احتفظ *** ) الكتابي بنفس صيغة الشفاهي تماما هذا من جهة وأن الخطاب الشفاهي كان ( كما يفترض الخطاب نفسه ) ( تبليغا بالوكالة ( عبر النبي محمد ( ولم يكن صاحب الخطاب المخاط ب الحقيقي حاض ار فيزيائيا على اإلطالق األمر الذي جعل الخطاب القرآني الشفاهي أساسا يتمتع بشيء من خصائص الخطاب المكتوب ونظامه عبد الرحمان الحاج القرآن: أسئلة التكوين والتدوين مجلة قضايا إسالمية معاصرة مركز د ارسات فلسفية بغداد 5 ع 8 / ص -محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني( ص 8 6

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني يفرق وعليه أركون بين حالتين حالة القرآن في زمن النبي عندما كان ال ي ازل نصا شفهيا وحالته فيما بعد عندما تحول إلى نص مكتوب. فالنظام التواصلي في الخطاب الشفاهي مختلف عنه في الخطاب المكتوب إذ يمكن للمخاط ب الشفهي من جهة اإلحالة أن يحيل إلى شيء ملحوظ ومشاهد عيانيا لحظة الخطاب وهو أمر غير متوفر في الخطاب الكتابي في الغالب ومن جهة التبادل الخطاب الشفاهي ولكنه متعذر تماما في الخطاب المكتوب و الحوار فهو أمر ممكن في ونجد أركون يعلق عملية على االنتقال من النص الشفهي إلى النص المكتوب بأن ها عملية ليست مضمونة بحذافيرها إذ تضيع أشياء أو تحور أشياء ألن كل ذلك يعتمد على الذاكرة البشرية. الذين يصدقون كل شيء. وهي ليست معصومة إال في نظر المؤمنين التقليديين ولهذا نجده ينتقد نظرة الوعي اإلسالمي إلى هذا المكتوب أو المجلد المادي كما يسميه و عد ه الشكل المادي للوحي الذي يعلو على الزمن ويتنصر على التاريخ. و نتيجة هذا الت صور ارح أركون * يتساءل حول حادثة حرق المصاحف التي كانت موجودة في عهد الخليفة عثمان ومدى صح ة النسخة العثمانية المتداولة جمع القرآن ومسألة وترتيب سوره وآياته إذ يرى أن ترتيب السور واآليات الواردة في - ب ارون جوليان ويول جورج تحليل الخطاب. ترجمة محمد لطفي الزليطي ومنير التريكي نقال عن عبد الرحمان الحاج القرآن: وأسئلة التكوين والتدوين ص -محمد أركون قضايا في نقد العقل الديني كيف نفهم اإلسالم ط 5 ص 55 اليوم ترجمة هاشم صالح دار الطليعة بيروت - تذكر المصادر اإلسالمية أنه كانت هناك عد ة مصاحف من بينها مصحف عمر بن الخطاب ومصحف علي * بن أبي طالب ومصحف أبي بن كعب ومصحف عبد اهلل بن مسعود مصحف عائشة ومصحف حفصة... عثمان أمر بحرقها جميعا ولم يبقى سوى مصحف اإلمام أو مصحف عثمان. ولكن 7

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني النسخة العثمانية المتداولة ال يخضع ألي ترتيب منهجي حقيقي وال ألي معيار عقالني أو منطقي. الترتيب. وترتيب آيات سور الكهف مثال ساطع على هذه الالعقالنية في وفي اآلن ذاته يعترف أركون بأ نه ليس من السهل د ارسة هذه المسائل د ارسة علمية ألن اآل ارء الشائعة وال ارسخة عنها في العقلية الجماعية تمنع ذلك والد ارسة التاريخية تعتبر عدوانا صريحا على المقدس ارسخ ال هذا فالقرآن يمثل قدس األقداس. وبالتالي تطبيق الد ارسة العلمية سوف تكشف عن تاريخيته في نهاية المطاف وسوف تربطه بظروف عصره الذي ظهر فيه. * وهذا ما تحاول األرثوذكسية الدينية أن تتحاشاه بل بأي شكل على الت ارث المقدس وهذا ما تخشاه كل الخشية)...( فالد ارسة التاريخية تعتبر عدوانا صريحا إنها حفر أركولوجي في األعماق للكشف عن تاريخية كل ما كان قد فقد تاريخيته وأصبح يبدو متعاليا كليا. أو تحاشي أسباب أركون و ي رج ع رفض مثل هذا النقد التاريخي من قبل الوعي اإلسالمي إلى أسباب سياسية ونفسية فمن الناحية الساسية إ ن القرآن يؤدي بالنسبة إلى الدول الجديدة الناشئة بعد االستقالل دور ذروة المشروعية والشرعية الضرورية لها جدا )...( خصوصا وأن آلي ات الشرعية الديمق ارطية غائبة عنها أو منها تماما. أما من الناحية النفسية أن فيرى أركون الوعي اإلسالمي كان قد تمثل منذ وهضم -ينظر محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب( هامش ص -األرثوذكسية :Orthodoxie إن أركون ال يعني بهذا المصطلح اعتناق المذهب األرثوذكسي المسيحي كما ال * يعني به االتجاه الصحيح والمستقيم بالمعنى المسيحي دائما. بل يعني به اآللية الفكرية الصلبة والمنغلقة على ذاتها أو المخط ئة والمفك رة لآلخرين. وقد وسعه أركون ليشمل كل مجاالت المعرفة المنغلقة والمتمركزة حول ذاتها مختار الفج اري نقد العقل اإلسالمي عند محمد أركون دار الطليعة / بيروت ط 5 ص 6 -محمد أركون الفكر األصولي واستحالة التأصيل ص )نحو تاريخ آخر للفكر اإلسالمي( ترجمة هاشم صالح 8

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني فشل مدرسة المعتزلة بخصوص القرآن المخلوق ذلك االعتقاد اليقيني الذي يقول بأن كل الصفحات الموجودة بين دفتي المصحف تحتوي على كالم اهلل بالذات. يطابقون بين القرآن المكتوب والقرآن الشفوي أو القرآن المقروء تالوة وهم بذلك. لكن قول أركون بتاريخية النص القرآني فتح عليه أبواب االت هام على اساس أ ن ما يرمي إليه أمر غاية في الصعوبة و الخطورة ألن ه إلغاء للبعد الغيبي و القداسي للن ص القرآني فالن ص القرآني بطبيعته ليس تاريخيا بل هو متعال على الت اريخ فال يتأث ر بأحداثه بل يؤث ر فيها وبالت الي مسألة حدوثه في الز مان تصبح من األخطاء ال تي. ارمها الخطاب الحداثي فهو متعال عن الز مان و إن كان تعامل مع أحداث الزمان و أركون إذ ي ارهن على قدرة المناهج الحداثية الغربية على إعادة فهم و ق ارءة القرآن و استنطاق دالالت جديدة لم تستنطق بعد يتغاضى أن هذه اآلليات اإلج ارئية إذا كانت تليق منهجا لمقاربة اإلبداع البشري فهي قاصرة في حتما استنطاق الخطاب القرآني إذ إن جماليته مهما تبد ت من خالل بنيته و نسقه فهي أو ال وآخ ار مرتبطة بمرسله و على مثاله فكماله من كماله ووجوده من وجوده و. أبديته من أبدي ته و تخلص غاية المشروع األركوني إلى تحرير الوعي اإلسالمي من كل اليقينيات الذاتية التي ظل لقرون يأسر نفسه داخلها ومنهجه في تحقيق هذه الغاية هو النقد أي تحليل وتفكيك جميع المسل مات واإلضاءة التاريخية التي يتبين من خاللها حجم -محمد أركون الفكر اإلسالمي ( نقد واجتهاد ( ص 85 ) مرزوق العمري إشكالية تاريخية النص الديني ( في الخطاب الحداثي العربي المعاصر منشو ارت - االختالف الج ازئر ط 55 ص 5 - عبد الغني بارة الهرمينوطيقا و الفلسفة ( نحو مشروع عقل تأويلي ) ص 9

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني المسافة المقطوعة بين النص المؤس س )أي القرآن( وبين النص التفسيري المنتج من قبل المسلمين وهي مسافة حسب أركون غير مرئية من قبل المسلمين وغير معترف بها من قبلهم وهنا يقر المهيمنة على كلية الوعي اإلسالمي أركون بصعوبة مهمته أوال هي: الفكرة ومشقتها ألن أن ه توجد إمكانية لتفسير القرآن بشكل كامل وصحيح أي بشكل مطابق تماما لمعانيه المقصودة. أنه يمكن تطبيق وثانيا ومكان المبادئ المستخرجة عن طريق التأويل في كل زمان ولتوضيح هذه النقطة يمثل أركون بتفسير الطبري إذ يقول: عندما يكتب الطبري في تفسيره العبارة الشهيرة التالية التي تتكرر باستم ارر بعد أن يورد آية قرآنية معينة يقول اهلل تعالى: )نقطتان على السطر(. ثم يعطي تفسيره بكل سهولة وارتياح بصفته التفسير الحقيقي لكالم اهلل كما أ ارده اهلل بالضبط الطبري و حسب أركون ال يعي إطالقا أن التفسير الذي ينتجه ( مرتبط بنوعية ثقافته ( وحاجيات مجتمعه ق ه( وبالمواقع اإليديولوجية والعقائدية أي المذهبية التي اتخذها هو بالذات كفقيه مجتهد)...( ولهذا السبب فإن ه يستطيع ) أن يقول بكل ب ارءة عقلية: يقول اهلل معتقدا أن ه يعطي التفسير الصحيح والمطابق لكالم اهلل وهو ال يفعل ذلك بشكل متواطئ أو ماكر وانما يعتقد بالفعل ما يقوله. وهذا ما عمل أركون على حله أي حل اإلشكال التأويلي وحمله من مجال بنية المعنى إلى مجال بنية الفهم من مجال تمجيد العقل باعتباره تاج المعنى الذي يهبه اهلل إلى عباده إلى مجال نقد العقل 4 واثبات تهافته فتاريخيته. - محمد أركون الفكر اإلسالمي ( نقد و اجتهاد ) ص 5 - المصدر نفسه ص ن - نفسه ص ن 4 -مختار الفجاري نقد العقل اإلسالمي عند محمد أركون دار الطليعة بيروت ط 5 ص 8 0

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني وتجدر اإلشارة هنا أن هدف إلى أركون من عملية النقد هذه ليس إثبات بطالن تفسير الطبري أو غيره من التفاسير واالجتهادات القديمة أو إلغائها مشروعه بل يعد امتدادا لهذا االجتهاد التقليدي وتجديدا له من الداخل إذ يؤكد على أن االنتقال من مرحلة االجتهاد التقليدي إلى مرحلة نقد العقل اإلسالمي ينبغي أن يصمم أساس أنه امتداد لالجتهاد التقليدي وانضاج له ويصور على ولم يكف أركون عن توجيه نقده إلى المجددين المعاصرين الذين عجزوا عن تجاوز ما تقوله التفاسير القديمة إذ يعتمدون جميعهم في طريقة تفسيرهم وخيا ارتهم العقائدية على المفسرين القدماء ولم يحاول أي واحد منهم أن يفكك وفلسفيا تاريخيا نظام المسلمات أو البديهيات المؤب دة منذ قرون عديدة بصفتها موقفا دوغمائيا مقدسا أو )...( معصوما فبقي النص المكتوب مقروء من قبل جميع المسلمين من خالل بروتوكول اإليمان الذي ال يناقش وال يجادل فيه وهو خضوع ال مشروط لكل التصو ارت المعرفية القديمة. وهذا ارجع حسب أركون إما لعدم تزو دهم العلمي والمنهجي بنظام خاص مليئة باأللغام. وجديد من المعرفة واما خوفهم من التعرض لموضوع أرضيته كما انتقد بشد ة منشطي النهضة و الثورة العرب كونهم لم يجازفوا على القيام.)E.Troeltscht بد ارسة نقدية للد ين على طريقة ماكس ويبر مثال أو اي تروليتش ( ولم يقوموا بص ارع ضد الكهنوت على طريقة فولتير وال في تفسيخ األفكار الجامدة و الوعي الخاطيء على طريقة مونتيني ولم يدخلوا في ص ارع دائم وذي داللة dogmes : Lectures du coran, op. cit, p, 0Mohamed Arkoun- اإلسالمي عند محمد أركون ص 6 -محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب( ترجمة هاشم صالح 9 نقال عن مختار الفجاري نقد العقل

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني وأهمية تذكر من أجل تعرية األصول اآلنية إسالمية مالئمة للروح العلمية الجديدة... * والدنيوية للشريعة وال بإنجاز تيولوجيا. وأما الد ارسات اإلستش ارقية حول اإلسالم فهي في نظر أركون ليست أكثر من جمع معلومات عن الت ارث اإلسالمي وهذا العمل رغم أهميته ليس إال المرحلة األولى من م ارحل البحث العلمي. وكان يجب أن تليه مرحلة تفكيك المواقع التقليدية أو االنغالقات المزمنة لهذا الت ارث بالذات. االنخ ارط في هذه المرحلة الثانية... ولكن المستشرق حسب أركون يرفض ومن هنا يفرق أركون بين الباحث األكاديمي المتبح ر في العلم الذي يعرف كل شاردة و واردة عن موضوعه وهو حال الباحث المستشرق وبين المفكر أو الفيلسوف الذي يعرف كيف يعتصر هذه المعلومات لكي ذاته يخرج منها بنتائج جديدة لم يرها أحد من قبله. الوقت ولكن في يعترف أركون بالمساهمة االستش ارقية اإلسالمية على مدار مئة عام جماع القول إن. اإليجابية والخدمات العلمية الجليلة التي أسدوها لد ارسات أركون في منهجية ق ارءة القرآن بمنظور جديد العصر التدشيني المؤسس الذي يمثل اللحظة األولية النبثاق الوحي تحفر بحثا عن الشاملة لكل مالبسات األوضاع االجتماعية والثقافية السائدة آنذاك ليتأتى بذلك رؤية القرآن في مادته اللغوية وت اركيبه النحوية ومرجعياته التاريخية المرتبطة ببيئة شبه الجزيرة العربية. -تيولوجياTypologie كلمة مشتقة منType أي نوع أو نموذج وبالتالي فهي تعني علم األنواع أو النماذج. * والقرآن يستخدم عدة أساليب لغوية. وبالتالي ينبغي أن يقوم أحد الباحثين بد ارسة مختلف أنواع األساليب المستخدمة في القرآن محمد أركون القرآن )من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني( ص 99 -محمد أركون تاريخية الفكر العربي اإلسالمي ترجمة هاشم صالح 5 -ينظر محمد أركون الفكر األصولي واستحالة التأصيل هامش ص 6 -ينظر المصدر نفسه ص 5

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني باإلضافة إلى تساؤالتها عن الظروف التي أ دت إلى رفع المدونة القرآنية العثمانية إلى مستوى الكتاب المقدس إذ يرى أن القرآن خطاب شفوي تم تدوينه ضمن ظروف تاريخية ينبغي أن تتعرض للنقد التاريخي والضبط التاريخي والتحقق وهو التاريخي النقد الذي لم يطبق في الفكر اإلسالمي إلى اليوم. غير أن تساؤالت محمد أركون تجعل قارئه هو اآلخر في تساؤل مستمر حول صحة النص القرآني المدون في المصحف العثماني خاصة القارئ العادي الذي ال يمتلك خلفية إسالمية صحيحة و يمكن أن تزحزح قناعته حول مصدرية القرآن الكريم وهذا أمر خطير و ما يترتب على األخذ به أمر خطير أيضا ألنه إلغاء كلي للعلوم اإلسالمية و نقل للمسلمين من مرجعية إلى أخرى من مرجعية دينية إلى أخرى. حداثية وضعية محمد عابد الجابري: مسا ارت معرفية * منذ كتاباته األولى والجابري يجتهد على بلورة رؤية جديدة لت ارث العربي اإلسالمي باصطناع منهجية حديثة في البحث والفهم واإلفهام تتجاوز الرؤية السائدة التي تمثلت في ثالث ق ارءات غير مجدية للموروث الفكري والثقافي العربي: الفهم السلفي للت ارث وهي ق ارءة ال تاريخية وبالتالي فهي ال يمكن أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للت ارث هو: الفهم الت ارثي للت ارث. الت ارث يحتويها وهي ال تستطيع أن تحتويه - * مرزوق العمري إشكالية تاريخية النص الديني ( في الخطاب الحداثي العربي المعاصر ) ص 6 - كتاب من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكالتنا الفكرية والتربوية )الدار البيضاء: دار النشر المغربية 9( وكتاب نحن والت ارث: ق ارءات معاصرة في ت ارثنا الفلسفي )بيروت: دار الطليعة 98( وكتاب الت ارث والحداثة د ارسات ومناقشات

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني ألن: الت ارث يكرر نفسه والفهم االستش ارقي للت ارث وهو فهم ينتجه الليب ارلي العربي الذي ينظر إلى الت ارث العربي اإلسالمي من الحاضر الذي يحياه الغرب حاضر األوروبي فيق أره ق ارءة أوروباوية النزعة ولذلك فهو ال يرى فيه إال ما ي اره األوروبي. أي ينظر إليه من منظومة مرجعية أوروبية والق ارءة اليسارية التي نعتها الجابري بكونها سلفية في قوله: ال يتبنى الفكر اليساري العربي في تقديرنا المنهج الجدلي كمنهج للتطبيق بل يتبناه كمنهج وهكذا مطبق. فالت ارث العربي اإلسالمي يجب أن يكون انعكاسا للص ارع الطبقي من. جهة وميدانا للص ارع بين المادة والمثالية من جهة أخرى ومن ثمة تصبح مهمة الق ارءة اليسارية للت ارث هي تعيين الموقع في هذا الص ارع المضاعف. واذا استعصى على الفكر اليساري العربي القيام بهذه المهمة بالشكل المطلوب وهذا ما حدث وهذا ما يقلقه ويقض مضجعه ألقى بالالئمة على التاريخ العربي غير المكتوب أو تذر ع بصعوبة التحليل أمام هذا التعقيد البالغ الذي تتصف به أحداث تاريخنا... واذا أصر بعض المنتمين إلى هذا الجناح على القوالب النظرية اقتحام الصعاب فص لوا الواقع التاريخي على الجابري يعيب إذا طريقة تعامل اليساريين العرب مع المنهج جعلت إذ ق ارءتهم للت ارث العربي اإلسالمي تنتهي إلى ألن هم حاولوا سلفية ماركسية تطبيق - محمد عابد الجابري نحن والت ارث ط 56 ص - المصدر نفسه ص 8 - نفسه ص 9 )ق ارءة معاصرة في ت ارثنا الفلسفي( مركز د ارسات الوحدة العربية بيروت 4

مدخل في تجديد فهم الخطاب الديني طريقة السلف الماركسي للمنهج الجدلي وكأن هدفهم هو البرهنة على صحة المنهج المطب ق ال تطبيق المنهج. وبعد عرضه ونقده للق ارءات السائدة يقترح الجابري ق ارءة جديدة للت ارث / اإلسالمي واصفا إياها ب معاصرة وهي معاصرة بمعنيين أي جعل النص المقروء * ا معاصر لنفسه ا ومعاصر لنا في الوقت نفسه. يكون النص معاص ار لنفسه على صعيد اإلشكالية والمحتوى المعرفي والمضمون األديولوجي محيطه الخاص ومن هنا معناه بالنسبة إلى بمعنى أنه ينبغي د ارسة نصوص الت ارث كماهي معطاة لنا وابعاد جميع أنواع الفهم السابقة أي إرساء القطيعة اإلبستمولوجية مع الق ارءات السابقة ود ارسة فكر صاحب النص في ضوء ارتباطه بزمنه التاريخي والكشف عن ** للت ارث الوظيفة األيديولوجيا التي كان الفكر المعني يطمح إلى أدائها داخل الحقل المعرفي العام الذي ينتمي إليه وبهذا يكون المقصود بجعل النص معاص ار لنفسه فصله عنا وربطه بالواقع الذي أنتجه. والمنهج الذي اتبعه الجابري للقيام بهذه المهمة هو المنهج يعلق الجابري على عمله هذا بقوله: فصل الذات عن الموضوع وفصل الموضوع عن الذات عمليتان - * متداخلتان فصلنا بينهما لضرورة العرض )...( إن المقروء ت ارثنا نحن فهو جزء منا أخرجناه من ذواتنا ال لنلقي به هناك بعيدا عنا ال لنتفرج فيه تفرج األنثروبولوجي في منشآته الحضارية أو البنيوية وال لنتأمله تأمل الفيلسوف لصروحه الفكرية المجردة...بل فصلناه عنا من أجل أن نعيده إلينا في صورة جديدة وبعالقات جديدة من أجل أن نجعله معاص ار لنا محمد عابد الجابري نحن و الت ارث ص 59 - محمد عابد الجابري نحن و الت ارث ص 6 - مثلما فعل لوي ألتوسير حين استعار بعض المفاهيم التي نحتها غاستون باشالر وهو يق أر التاريخ العلمي ** الخاص لعلم الفيزياء )مفاهيم العائق اإلبستمولوجي القطيعة اإلبستمولوجية...( من أجل أن يعيد هو )أي ألتوسير( ق ارءة كارل ماركس. كذلك حاول الجابري استعارة المفاهيم وغيرها نفسها كي يعيد ق ارءة ابن سينا وابن رشد والعالقة بين الفلسفة في المغرب واألندلس والفلسفة في المشرق اإلسالمي عبد اإلله بلقزيز العرب والحداثة )نقد الت ارث( مركز د ارسات الوحدة العربية بيروت / لبنان ط 5 ص 8 5